
أنواع العطور ومصادر تكوينها وأوقات استخدامها
سبتمبر 20, 2023العطور، ذلك العالم السحري المليء بالأسرار، التي لا يعرفها إلا من خاض تجربة اكتشاف هذا العالم والتعرف على خصائصه وثغراته.
فعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يستخدمون العطور، حتى أن البعض قد يصل الأمر بهم إلى حد الهوس، إلا أن عالم العطور وأسراره غير معروف لديهم، ولا يمتلكون أي فكرة عن خبايا هذا العالم.
ونحن اليوم، سنصحبكم في جولة عبر الأزمنة السابقة للتعرف على تاريخ العطور: متى بدأ استخدامها أول مرة، ومن أول من لجأ إليها، وكيف كانت تستخدم في الماضي، وكيف تطور الأمر بها حتى أصبحت بهذا الشكل المتعارف عليه في يومنا هذا.
هل أنت مستعد، عزيزي القارئ، لهذه الرحلة الممتعة التي سنبحر فيها نحو الماضي السحيق؟
فقد أثبتت كل الأبحاث والدراسات التي أجريت عن العطور وتاريخها أن استخدام العطور بدأ منذ قديم الزمان،
قبل بداية التاريخ وقبل الميلاد بآلاف السنين. واختلفت الأقاويل حول التاريخ المحدد لاكتشاف الإنسان للعطور وأين تم هذا،
ولكن اجمعت كل الدراسات على أن الإنسان عرف العطور من خلال استنشاقه للزهور الطبيعية التي جادت بها الطبيعة،
وتطور الأمر من مجرد الاستنشاق إلى محاولة استخلاص العطر من هذه الزهور.
اول من استخدم العطور
كانت الصدارة لقدماء المصريين وحضارة بين الرافدين في هذا الأمر.
حيث أثبتت كل المخطوطات والآثار القديمة أن الأمر بدأ هناك، وأنه كانت لهم الصدارة في استخراج واستخلاص العطور من الطبيعة،
ثم بعد ذلك استخدامها بالطرق المختلفة، والتي تختلف بالطبع عما يحدث في وقتنا الحالي.
وقد اختلفت طرق استخلاص العطور من الأزهار من مكان إلى مكان، ومن ضمن الطرق التي تم توثيقها،
الطريقة التي اتبعها المصريين القدماء.
حيث أثبتت المخطوطات المرسومة على جدران المعابد المختلفة أن المصري القديم كان يقوم باستخلاص العطور من الأزهار بأكثر من طريقة ولأكثر من غرض،
وقد ارتبطت طريقة استخراج العطور بغرض استخدام العطر.
حيث أثبتت مخطوطة جدارية اكتشفها علماء الآثار في إحدى المعابد المصرية القديمة أن هناك طريقتين تم استخدامهما في إحدى العصور المصرية القديمة لاستخراج العطور.
الطريقة الأولى:
تُوضع الأزهار في لوحة واسعة مصنوعة من ورق البردي يمسك بكل طرف منها سيدة. تُضاف الورود مع بعض الماء في اللوحة
ثم تقوم كل من السيدتين بلف الطرف الذي تمسكه في الاتجاه المعاكس للأخرى لعصر الأزهار. تُوضع وعاء كبيرة تحت اللوح لجمع العصير المستخرج.
السائل المعصور يُحفظ بعد ذلك في أواني من الخزف والفخار، وكان يُصنع خصيصًا للملكات وزوجات الأمراء والكهنة لاستخدامه في الاحتفالات، وكان خاصًا بالطبقات الميسورة وليس للجميع.
الطريقة الثانية:
تُوضع الأزهار في وعاء فخاري صغير ويُحرق لإصدار رائحة فواحة. هذه الأعطور كانت جزءًا من القرابين التي قدمت للآلهة أو كجزء من طقوس توديع المتوفين، ولم تكن تستخدم لأغراض الزينة.
واثبتت الدرسات ايضا ان استخدام العطور في الماضي لم يكن متاح للجميع بل انه في فترة من الفترات كان يقتصر فقط على علية القوم
والملوك واصحاب الشان في الدولة ولم يكن مسموح لعامة الشعب استخدام العطور
وبعد المصريين القدماء وحضارة بلاد الرافدين استخدم العطور العديد من الشعوب ولكن تفوق العرب في استخدامهم للعطور
وتفوقوا ايضا في الاضافات التي قاموا بها في صناعة العطور وطرق استخراج واستخلاص العطر من الازهار والمصادر الطبيعية له
رغم أن العرب احتفظوا بالكثير من إرث الحضارات السابقة لهم في صناعة العطور،
إلا أنهم كانوا الرواد في استخدام تقنية تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهور، وهذا منذ حوالي 1300 عام.
لم يقتصر استعمالهم لتاج الأزهار على العطور فقط، بل كان له دور طبي أيضًا.
تقنية تاج الزهرة
هي طريقة تقليدية لاستخراج الروائح الطبيعية من الأزهار، وهي تعتبر من أقدم الطرق المستخدمة في هذا المجال. تتضمن هذه الطريقة استخدام “تاج” أو قاعدة مسطحة تغطى بدهن أو زيت نقي. توضع الأزهار المختارة على هذا التاج وتغطى بمادة زجاجية أو مادة أخرى شفافة.
بسبب الحرارة وأشعة الشمس، تبدأ الأزهار في إفراز الروائح التي تتمدد وتلتصق بالدهن أو الزيت الموجود على التاج.
بعد فترة، يتم إزالة الأزهار ويتم جمع الدهن المُغمَّس بالرائحة.
هذه العملية قد تتكرر عدة مرات حتى يتم الحصول على الكمية المطلوبة من العطر.
يُذكر أن هذه الطريقة، بالرغم من أنها تعتبر بطيئة وتحتاج إلى كميات كبيرة من الأزهار للحصول على كمية صغيرة من العطر
فإنها تعطي نتائج عالية الجودة من حيث الروائح الطبيعية. ولهذا السبب، ما زالت تُستخدم في بعض المناطق حتى اليوم، خصوصًا في استخراج روائح الأزهار النادرة والثمينة.
يذكر ان العرب استفادوا من الأزهار المختلفة كالياسمين، والورد، والبنفسج وغيرها في صنع العطور.
لكنهم لم يعتمدوا على الأزهار فقط، فجاء دور الخشب مثل الصندل والأرز، وأوراق النعناع والخزامى، بالإضافة إلى جذور الزنجبيل والسوسن.
العرب وضعوا طريقتهم الفريدة في صناعة العطور، حيث استعانوا بتقطير تيجان الأزهار مع الماء، باستخدام رقائق زجاجية داخل إطارات خشبية مكدسة.
ابرز العلماء العرب في استخراج العطر
ومن العلماء البارزين في هذا المجال بن سينا، الذي أبدع في طرق التقطير، والكندي الذي ذكر العديد من الوصفات في “كيمياء العطور”، معتمدًا في الغالب على المسك والعنبر كمكونات أساسية.
اوروبا وصناعة العطور
أوروبا استفادت كثيراً من العرب في عديد من الطرق، ومن بين أشد الشعوب اهتماماً بعالم العـطور الهونجاريون، الذين قاموا بإدراج الكحول في صناعة العـطور.
عطر 1370 هو الأول الذي ظهرت فيه مادة الكحول كمكون أساسي، وجاء بتكليف من إليزابيث ملكة المجر، وأُطلق عليه اسم “ماء هنغاريا”.
كاترين دي ميديشي، ملكة فرنسا، هي واحدة من الملكات التي أولت اهتماماً بالعطور، حيث أمرت صانع العطور لديها، رينى لن فلورينتن، بتطوير أنواع جديدة من العـطور، لكن أساليبه ظلت مجهولة بسبب سرية مختبره.
في عصر النهضة، استطاعت فرنسا أن تصبح الرائدة في عالم صناعة العـطور، وكانت جنوب فرنسا مركزًا لأشهر العـطور العالمية.
طائفة “صناع العـطور” في فرنسا خلال القرن السابع عشر اكتسبت شهرة، لكن هذه الشهرة تضررت بعد حادثة وفاة أميرة فرنسية بسبب استخدامها لعطر سام.
الملك لويس الخامس عشر كان من أشد الملوك اهتمامًا بالعطور، حيث كان يتأكد من رش عطر على كل ممتلكاته. بينما نابوليون بونبارت، الذي كان معروفًا بحبه للترف، كان يهتم كثيرًا بالعطور، وخاصة عطر الجوزفين.
في إنجلترا، بدأت الثقافة العطرية تزدهر مع هنرى الثامن واستمرت مع الملكة إليزابيث الأولى.
العصر الحالي
واستمر التطور في شكل وصناعة العطر بوجه عام، وتدخلت التقنيات الحديثة في كل ما يتعلق بالأمر.
وعلى الرغم من أن البعض قد يفضل الطرق التقليدية في استخراج العطر وصناعته،
وعلى الرغم من أن هذه الطرق التقليدية تعتبر من أصعب وأبطأ الطرق مقارنة بالوسائل والتقنيات الحديثة،
إلا أنه، كما ذكرنا من قبل، تظل هذه الطرق واحدة من أهم الطرق والأكثر تكلفة على الإطلاق في استخراج العـطور.
واستمر التطور والابتكار، واكتشفت الطرق الجديدة والمختلفة لتطوير هذه الصناعة،
وحتى اليوم، يوجد العديد والعديد من الأسرار التي لم يكتشفها أحد بعد حول العـطور، وتأثيرها، وأسرارها.